في يومها العالمي.. تذكير بدور اللغة العربية في بناء الحضارة الإنسانية

شام تايمز – مارلين علي

يصادف 18 كانون الأول من كل عام اليوم العالمي للغة العربية، وقد أقرّت الأمم المتحدة في العام 1973 اعتماد اللغة العربية لغة رسمية، ثم أقرّت منظمة “اليونسكو” أن يكون هذا اليوم يوماً عالمياً للعربية.

وتحتفل باللغة العربية مؤسسات كثيرة في العالم وتقِيم ندوات تذكّر فيها بأهمية اللغة العربية ودورها في بناء الحضارة الإنسانية، وتعدّ اللغة العربية من أعرق اللغات وأكثرها خصوبة، إذ يمتد تاريخها إلى أكثر من 18 قرناً، وتبلغ كلماتها نحو 12.3 مليون مفردة، كما أن لها أهمية بالغة لدى المسلمين كونها لغة القرآن الكريم ولا تتم الصلاة إلا بها، ويتحدث اللغة العربية اليوم أكثر من 422 مليون شخص، وهي لغة العبادة لدى أكثر من مليار مسلم في العالم.

وتصنّف اللغة العربية كواحدة من اللغات السامية الوسطى والتي تتفرع من مجموعة اللغات الأفريقية الآسيوية، حيث تضم مجموعة اللغات السامية عدة حضارات، مثل حضارة الهلال الخصيب القديمة كالآكادية والكنعانية والآرامية واللغة العربية في جنوب الجزيرة العربية، بالإضافة إلى اللغات العربية الشمالية القديمة، وبعضاً من لغات القرن الإفريقي مثل اللغة الأمهرية، كما تعد أحدث اللغات السامية تاريخياً إلا أن البعض يصنفونها بأنها اللغة السامية الأم التي انطلقت منها باقي اللغات السامية الأخرى وذلك يعود إلى أن اللغة لم تتعرض إلى الاختلاط كونها كانت تقتصر على جزيرة العرب، مثل باقي اللغات.

وتلقب اللغة العربية بعدة ألقاب لعل أشهرها “لغة القرآن”، لأن القرآن الكريم نزل باللغة العربية، كما لقبها العرب بـ “لغة الضاد”، حيث لا يوجد هذا الحرف في أي لغة أخرى.

واختلف المؤرخون حول أصل اللغة العربية، ويعدها البعض أقدم من وجود العرب أنفسهم، ورجحوا بأنها لغة “آدم” عليه السلام في الجنة، وهناك أقاويل أخرى تؤكد أن أول من تكلم العربية هم قبيلة “يعرب بن قحطان”، وأقاويل ترجح أن “اسماعيل” عليه السلام هو أول من نطق بالعربية، ولكن لا يوجد أي براهين تثبت أياً من هذه الأقاويل، حيث أن قبيلة “يعرب بن قحطان” كان يفترض أنها تتحدث عربية أخرى لها قواعد مختلفة عن اللغة العربية الأصلية، وقد تم العثور على أماكن في شمال شبه الجزيرة العربية يوجد عليها كتابات قديمة بعدة لغات متباينة ومختلفة عن اللغة العربية التي وردت في القرآن الكريم أو في الشعر الجاهلي، ولذلك تم اعتبار لغة القرآن الكريم هي أصل اللغة العربية على الرغم من أن هذه اللغات التي أقدم من لغة القرآن الكريم.

والبعض يرى أن اللغة العربية نشأت في قوم “قريش” خاصة أن أقدم النصوص التي توفرت باللغة العربية هي نصوص القرآن الكريم والنبي “محمد” عليه الصلاة والسلام، وأول دعوته كانت باللغة العربية وهذا الرأي هو السائد عند أغلب اللغويين العرب القدامى.

وهناك رأي سائد أن اللهجة العربية تطورت في مملكة “كندة” في القرن السادس الميلادي بعد اهتمام الملوك بالشعراء ما أدى إلى توحيد اللهجة الشعرية، وهؤلاء الشعراء هم أقدم من قوم “قريش”، وأيّد بعض المستشرقين هذا الرأي وأطلقوا على هذه اللغة، حينها، اللغة العالية، أي اللغة الشعرية الخاصة باللهجات المحلية حيث وجدوا بأنها لغة رفيعة تظهر مدى ثقافة الشاعر أمام الملك، وعلى الرغم من هذا الراي إلا أن الرأي السائد هو اعتبار اللغة العربية هي لغة “قريش”، خاصة أن الشعر الجاهلي تم تدوينه فعلياً بعد الإسلام ولا يوجد أي نسخ أصلية أو قصائد جاهلية يحدد بها التاريخ الدقيق لها.

وبحسب علماء الآثار، قسمت اللغة العربية إلى قسمين، العربية الجنوبية القديمة، والعربية الشمالية القديمة، وتم تصنيف اللغة العربية إلى ثلاثة أصناف رئيسية وهي العربية التقليدية، والعربية الرسمية، والعربية المنطوقة بالعامية، وتعتبر العربية التقليدية هي التي ورد شكلها حرفياً بنصوص القرآن الكريم ولذلك تم تسميتها أيضاً بالعربية القرآنية.

وبعد الفتوحات الإسلامية انتشرت اللغة العربية بشكل كبير وتأثرت بها الكثير من الشعوب وخاصة بعد اعتناق السريان والآشوريين والروم والأمازيغ والأقباط للدين الإسلامي، ما أدى لانتشار اللغة العربية في تلك الفترة، كما أن الشعوب العجمية أيضاً أصبحت تتحدث بها كلغة ثانية إلى لغتها الأم حيث كانت في أوج ازدهارها في هذه الفترة لأنها لغة العلم والأدب في ظل الخلافة العباسية والأموية، ومع مرور الزمن أصبحت اللغة العربية هي لغة الشعائر السائدة في تلك الفترة مثل الشعائر المسيحية في الوطن العربي وفي كنائس الروم الأرثوذوكس والكاثوليك والسريان، وأيضاً الديانة اليهودية في العصور الوسطى كتبت الكثير من أعمالها الدينية والفكرية باللغة العربية.

وكان للعجم دور كبير في تطوير اللغة العربية بالعصر العباسي والأموي، فقد ترجموا العلوم آنذاك إلى لغتهم الأم فكانت تظهر مصطلحات وكلمات جديدة، وفي العصر الذهبي وصلت اللغة العربية إلى أعلى مراحل ازدهارها وتطورها بعد أن ظهر الأدباء والشعراء والعلماء الذين عبروا عن أفكارهم ومعتقداتهم باللغة العربية، فتم تأليف العديد والعديد من الكتب والمخطوطات باللغة العربية في جميع المجالات العلمية والثقافية، وفي العهد الصليبي تأثر بها العديد من اللغات الأجنبية الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية، وذلك يعود للاختلاط فيما بين العرب والأعجم.

وعند الاجتياح المغولي بقيادة “هولاكو خان” كانت اللغة العربية في أسوأ حالاتها فقد أصابها ركود كبير وذلك بسبب التدمير المهول جراء الغزو المغولي الذي أدى إلى تخريب الثقافة والحضارة العربية، وفي العصر المملوكي لم يعد يهتم العرب بتطوير اللغة والعلوم لانشغالهم في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدمار والتخريب الذي خلفه “هولاكو خان”، وبدأت بالتضاؤل بعد نفي غالبية السكان المسلمين من الأندلس واستعادة الإسبان بلادهم، فأخذت اللغة تتراجع بشكل كبير، وخاصة بعد تراجع الاكتشافات العلمية العربية وظهور الحضارة الأوروبية.

وفي فترة الفتوحات العثمانية، أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية الثانية في عهد الدولة العثمانية، ولكنها سرعان ما فقدت مكانتها مع بداية القرن السادس عشر فأصبحت لغة الدين الإسلامي فقط في الدولة العثمانية خاصة فيما يتعلق بالعلوم والآداب، لأن العثمانيون لم يكونوا ذات اهتمامات علمية وثقافية كبيرة مثلما كان في العصر العباسي.

وبقيت حالة الركود في اللغة العربية قرابة 400 سنة، ثم انتعشت بعض الشيء في أواخر القرن التاسع عشر بعد النهضة الثقافية التي شهدتها بلاد الشام ومصر فازدادت أعداد المثقفين والمتعلمين وفي هذه الفترة انفتح الكثير على تجميع الحروف العربية ونشر الصحف الحديثة باللغة العربية لأول مرة، وأقيمت العديد من الجمعيات الأدبية مما أدى إلى إعادة إحياء اللغة العربية الفصحى من جديد.

ولعل أشهر الأدباء الذين ساهموا في إثراء اللغة العربية في تلك الفترة، “أحمد شوقي والشيخ ناصيف اليازجي وبطرس البستاني وجبران خليل جبران”، وظهرت على يد هؤلاء القواميس والمعاجم العربية الحديثة مثل قاموس محيط المحيط ودائرة المعارف والتي لا تزال تستخدم إلى الآن، كما تأسست الصحافة العربية ولكنها اقتصرت على الأدب ولم تشمل المجال العلمي فلم يعد دور اللغة العربية بهذا المجال كما في السابق خاصة بعد الحرب الباردة في أواخر القرن العشرين، فأصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة المنتشرة في غالبية الدول حتى بالدول العربية خاصة بعدما أصبحت اللغة الأساسية في التعاملات والرسائل التجارية والعلمية.

شاهد أيضاً

الجو ربيعي حار والحرارة إلى ارتفاع

شام تايمز – متابعة تستمر درجات الحرارة بارتفاعها التدريجي لتصبح أعلى من معدلاتها بنحو 8 …