شبح “الانتحار” يلاحق شباب سورية.. ترهيباً وترغيباً!

 خاص – شام تايمز – سارة المقداد

عندما يطلق رصاصة باتجاه قلبه أو رأسه، أو يتناول جرعة زائدة من الدواء، أو يضع رقبته رهينة في حبل المشنقة، لا يكون مشهداً من فيلمٍ روائي بل لقطات تتكرر في سيناريو الحياة لبعض السوريين الذين أرادوا الرحيل، نافخين لهثهم في محطتهم الأخيرة عن طريق الانتحار.

“لكلّ حرب أثار نفسية وهذا الشيء متوقع.. سورية لحد الآن من أقل البلدان بمعدلات الانتحار” .. هكذا يصف المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي في سورية ” زاهر حجو”، مشهد الانتحار لـ ” شام تايمز”، مع ارتفاع معدلات الانتحار في سورية خلال عام ٢٠٢٠، حيث تقدر النسبة شهرياً نحو ١٦ شخصاً، ١٢٤ من الذكور و٥٣ من الإناث، وصولاً إلى ١٧٧ حالة انتحار، حتى تاريخه، تتصدر حلب فيها أعلى نسبة وهي ٣٠ حالة مع أكبر منتحرة من الإناث (٨٩) عام، ثم اللاذقية ٢٩، تليها دمشق ٢٧، ريف دمشق ٢٦ مع أكبر منتحر من الذكور (٧٤) عام، حمص ١٤، حماة ١٣، طرطوس ١٢، وأخيراً القنيطرة بحالة واحدة، علماً أن الأخيرة لم تسجل أي حالة انتحار منذ خمس سنوات تقريباً.

وتعتبر نسبة العقد الثالث من العمر هي الأعلى بمعدلات الانتحار لوصولها إلى ٣٠٪، و٢٥ للعقد الثاني، و٢٠٪ للعقد الرابع، أما المنتحرين تحت السن القانوني (القُصّر) وصل عددهم إلى ٢٤ حالة بين ١٥ من الذكور، و٩ من الإناث، وفقاً للمعدلات الشرعية، ما يشير إلى ازدياد عدد المنتحرين الذكور عن العام السابق، حيث سجل عددهم ١٣حالة، مع تراجع عدد المنتحرات الإناث ليسجل١٤ حالة، خلال العام الماضي.

ويعتبر الإقدام على استخدام حبل المشنقة، الطريق الأكثر شيوعاً بالانتحار حسب مدير الطبابة الشرعية “حجو”، لوصول الضحايا في هذا الحال إلى ٧٢ شخص، يليه الطلق الناري ب ٣٦ حالة، والتسمم ب ٣٣، ورمي النفس (السقوط) ب ٢٢ حالة.

وما يزيد الأمر صعوبة، تعثر الطب الشرعي في عدة مطبات، كنقص الأطباء (اختصاص بشري) تحديداً، بحسب “حجو” الذي بيّن أن لهذا الأمر عدة أسباب، أبرزها حاجة هذا الفرع والاختصاص للدعم المادي، فالطبيب الشرعي هو الطبيب الوحيد الذي يعيش على راتبه المتواضع، مع عدم استطاعته فتح عيادة خاصة فيه، ناهيك عن المخاطر العملية والنفسية كصعوبة التعامل مع الجثث، حسب قوله.

خطوات الرحيل المضطربة

يجب التمييز ما بين الانتحار أي قتل الذات، ونظيره الذي يكون بقصد الأذية دون وجود نية في الموت، هذا ما بينه الاختصاصي النفسي “علي عمار” لـ “شام تايمز”، حيث تعتبر الأسباب البيولوجية من أهم الدوافع وراء الانتحار، ويُلاحظ انخفاض الناقل العصبي “السيروتونين” لدى المرضى، عدا عن دور الأسباب الاجتماعية للأشخاص الذين يحاولون الانتحار.

وترتبط حالات الانتحار بحسب “عمار” باضطرابات نفسية يأتي في مقدمتها (الاكتئاب نحو 50%، اضطرابات الشخصية، الفصام بنسبة 10%، الادمان)، عدا عن الأوضاع الاقتصادية المتردية، وارتفاع نسبة البطالة، إضافة إلى الصدمات العاطفية وخيبات الأمل من الطرف الآخر، خاصة لدى الأشخاص الذين تتسم شخصياتهم بوجود صراعات نفسية وإحباط ناجم عن طفولة سابقة غير متوازنة وتفتقد للاستقرار، ناهيك عن المشاعر المرافقة من فقدان الأمل والشعور بالسوداوية، التي تطغى على بعض عقول السوريين الذين يصلون لاتخاذ قرار الانتحار، داعياً ” عمار” لجوء كل من لديه ميول انتحارية أو اضطرابات نفسية إلى طبيبٍ نفسي، لإيجاد العلاج المناسب له، مشدداً على الانتباه من فوضى المشاعر والتنمر الذي يقدَّم مائدة جاهزة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وليس “عمار” هو المصنف الوحيد لحالات الانتحار، بل قسمه الأخصائيون لثلاثة أصناف وهي:

الانتحار الشاذ: هو أكثر الأنواع شيوعاً، ينجم عن انتهاء علاقة عاطفية أو خسارة مادية أو معنوية كبيبرة.

الانتحار الأناني: ينجم عن ارتفاع تقدير الذات ، حيث أن فرط تقييم الشخص لذاته يدفعه للانتحار للتخلص من العالم الذي لايستحقه بحسب رأيه.

الانتحار الإيثاري: هنا الشخص يفتدي بنفسه من أجل عائلته أو أشخاص آخرين كمحاولة لستر فضيحة.

ومِن الحُب مَن انتحر

سلمى” باسم مستعار، تحدثت لـ “شام تايمز” عن تحول منزلها إلى جحيم ينتشر فيه الكره والضغينة بسبب تحول علاقتها مع زوجها التي قد تكون مبنية على أساس هش، لعلاقة تغلب عليها الضعف والاهتزاز وعدم الثقة والتفاهم وقلة الاحترام وعدم قدرة الزوج على اتخاذ القرارات وحل مشاكله بمفرده، عدا عن تقصيره تجاه منزله وأطفاله في جميع الأمور الحياتية، حيث لجأت إلى الانتحار وأخذت ظرف كامل من الدواء وقررت أن تهجر حياتها، قائلة: “شعرت وكأنني لا استحق أن أواجه أطفالي في هذا الخطأ الذي اقترفته تجاه نفسي وتجاههم في اختياري الخاطئ لأب لا يحمي أسرته فقررت الانتحار لأهرب من الواقع وخوفاً من اقتراف المزيد من الأخطاء التي لا تغتفر أبدا نتيجة ضعفي وعدم استقرار أفكاري وشعوري الدائم في الانتقام”،

ولكن سلمى انتقلت إلى الخيار الأسلم وهو الانفصال، قائلة:” لم يحزنوا أطفالي على خراب هذه الأسرة أكثر مما كانوا يحزنون في مشاهدة الخلافات وال…… أمام أعينهما”.

عندما يكون الفقر قاتلاً

يروي “سعيد” باسم مستعار لـ “شام تايمز”، قصة صديقه المُنتحر، المقتدر مادياً، الذي وصل فيه الحال إلى وضع حصيلة أمواله للجوء إلى الخارج، هرباً من تكرارِ مشهد عائلته التي توفيت أمامه خلال الحرب، قائلاً:” كنت قلو لا تسافر ما حيتغير شي إذا ما قدرت تنسى هون مافي شي حَ ينسيك برا”.

يأخذ “سعيد” قسطاً من الوقت لمسحِ دموعه وهو يُكرّر جملته “ما كان يسمع مني.. قتل حالو وقتلني معو”، صديقه الذي كان حالماً بمستقبلٍ أفضل بعد تخرجه من الجامعة، التي جعلت منه شاباً لا قدرة لديه على مجابهة مآسي بلاده”، خاتماً قوله: “منيح ما ضل عايش لهلأ.. وشاف يلي عم نشوفه.. عايشين من قلة الموت”.

هل الانتحار جريمة؟

أوضحت المحامية “ريتا خوام” لـ “شام تايمز” أن القانون السوري لا يعاقب على الانتحار ولا حتى على الشروع فيه، ولكنه يعاقب كل من ساعد شخصاً على الانتحار وفقاً لقانون العقوبات – المادة 539، مشيرة  إلى أنه من حمّل إنساناً بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده على قتل نفسه عوقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر إذا تم الانتحار، ويعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين في حال الشروع بالانتحار ونجم عنه إيذاء أو عجز دائم، وإذا كان الشخص المحمول المساعد على الانتحار دون السن القانوني أو كان معتوهاً طبقت عقوبة التحريض على القتل أو التدخل فيه.

شاهد أيضاً

قريباً.. دفع تعويضات المسرحين من خدمة العلم في شباط الماضي

شام تايمز – متابعة أعلنت المؤسسة السورية للبريد بدء دفع التعويضات المالية المستحقة للمسرحين من …