كذبتان لا يمل كثير من المسؤولين من ترديدهما..
الأولى أن البلاد ليس فيها ما يكفي من موارد لتنفيذ ما يرونه ضرورة وأولوية في هذه المرحلة، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المؤسساتي.
والثانية أن البلاد تعاني من قلة في الكوادر والكفاءات، ولذلك يضطرون إلى الاستعانة بأشباه الأميين والجهلة والفاسدين لإدارة وقيادة بعض مفاصل العمل، وعلى مختلف المستويات..
في واقع الحال، إن البلاد لا تعاني سوى من ضعف وفساد كبيرين في عملية إدارة الموارد والكوادر معاً، بدليل عدة حقائق أبرزها:
-حجم الأموال المتسربة إلى جيوب شريحة من المسؤولين ورجال الأعمال الفاسدين، المكتشف منها أو الذي لا يزال مخفياً، والمثال على ذلك ملف مناقصات وعقود وزارة التربية، والذي يبدو أنه سيكون مرشحاً لمزيد من “الفضائح” في حال تم فتح ملفات أخرى كالمساعدات المقدمة من المنظمات الدولية. وهناك أيضاً ملف التهرب من الرسوم والضرائب الجمركية لبعض مستوردي النفط، وملف شركة سيريتل، وغيرها من ملفات الفساد المنتشرة في وزارات ومؤسسات الدولة.
-وجود فرص استثمارية غير مستغلة بشكل اقتصادي لدى العديد من المؤسسات الحكومية، لأسباب إما متعلقة بإهمال وعدم متابعة، وإما لتواطؤ بعض المسؤولين فيها لقاء منافع ومصالح شخصية.
-استقطاب القطاع الخاص للعديد من الكوادر العاملة في مؤسسات الدولة، والاعتماد عليها في تسيير العمل وتحقيق نجاحات كثيرة, وكما يعلم الجميع فإن القطاع الخاص يبحث في النهاية عن مصلحته، ولا يتعامل مع ملف التوظيف لديه من باب “فعل الخير”.
-بروز عدد كبير من الكوادر السورية الشابة على المستوى الإقليمي والدولي، وهو ما يعني وجود فرصة كبيرة جداً لترميم النقص الحاصل في بعض الأماكن بكفاءات شابة لا تحتاج إلا إلى عناية وتدريب ملائمين.
من دون شك، فإن إمكانات البلاد اليوم، البشرية والمادية، ليست هي نفسها الموجودة قبل العام 2011، ولا يمكن مقارنتها مع إمكانات دولة أخرى تعيش حالة من الاستقرار والأمن..
لكن في المقابل أيضاً.. سورية اليوم ليست دولة عاجزة إلى هذا الحد، أو دولة غير قادرة على صنع واقع جديد، وما يجري ترديده من حجج كالسابق ذكرها ليس سوى محاولة للتهرب من تحمل مسؤولية الفشل والتقصير، والإبقاء على قنوات الفساد مفتوحة.
فهل مصلحة البلاد اليوم تقتضي استمرار هكذا نوعية من المسؤولين؟ أم إن الظروف الضاغطة تحتاج إلى نوعية جديدة من أصحاب القرار؟
قبل نحو 12 عاماً توجهت مع مجموعة من الزملاء الصحفيين إلى طهران في زيارة خاصة لمعامل “إيران خودرو” لصناعة السيارات. آنذاك كان الغرب يهدد إيران بعقوبات جديدة، فسألت مدير عام شركة “إيران خودرو”: إذا كنتم استطعتم أن ترفعوا نسبة شهادة المنشأ في السيارات المصنعة بالشركة إلى نحو 97%، فماذا ستفعلون في حال فرض الغرب عليكم عقوبات، لاسيما لجهة توفير ما يتم استيراده من مكونات السيارات والبالغة نسبتها حوالي 3%؟
أجابني: هذا ما نعمل عليه اليوم، بحيث تكون شهادة منشأ السيارة المصنعة لدينا إيرانية بالكامل.
وسؤالي اليوم.. هل سمع أحد من القراء أن إيران توقفت عن تصنيع السيارات لديها رغم موجات العقوبات المتلاحقة؟

زياد غصن