عندي ثقة تامة أنه رغم النَّق والسَّق عن ضراوة الحجر، وأن الملل ضرب أطنابه وأصبح الوضع لا يحتمل بعد ما يزيد عن الشهر ونصف في ظل العزلة المنزلية المفروضة، إلا أن كثيرين منّا سيترحمون على هذه الأيام، ويتشهونها، ويتمنون عودتها، وذلك مع أوَّل كبسة مخلَّل في سيرفيس «ميدان- شيخ محي الدين» وأشباهه، أو بعد أول ضربة شمس خلال انتظارٍ ما، في وقت الذروة، أو بعد أول معركة على أي طابور مع التجاوزات المزمنة التي تلازمه باستمرار، سواء أكان طابوراً على فرن أو صراف آلي أو معاملة حكومية.
وعلى سيرة الأخيرة، هل لاحظ الموقرون أنه رغم اقتناعنا التام بأن «المعاملة مع الله»، إلا أننا مضطرون يومياً للتعامل مع صغار عبيده من التُّجار والصَيارفة والمُرائين، الذين يتحكمون بنا وبلقمة أولادنا كيفما يشاؤون، بعدما تفرعنوا ولم يجدوا من يردُّهم، لاسيما بعدما أصبح الضمير وصحوته «موضة قديمة»، وبعدما فشلت وزارة التجارة وحماية المستهلك في التعامل مع التجار وظلمهم المستشري لـ«عملائها» وفق منطق «خدمة الزبائن».
فهل من المعقول أن ترتفع تحت أعينهم أسهم الليمون إلى الـ2300 ليرة للكيلو الواحد، والبندورة إلى الألف، وكأنهما مستوردتان من البساتين الأوروبية؟ وكيف يمكن أن تستوعب عقولنا المُتعبة ضربة الموسم التي حققها «الجارنك» بسعر 2000 ليرة للأوقية الواحدة؟ ثم تخيلوا غيظنا أمام تلك البيضة التي تتمختر كبرينسيسة بعدما أصبح سعرها 100 ليرة وعلى عينك يا تاجر؟ بحيث لم يبق أمام المواطن في هذا الشهر الفضيل إلا أن «يُفَوِّلْ» فكيلو الفول معقول وبـ300 ليرة فقط لا غير، وأن «يُفَجِّلْ» بحيث أن ثلاث جرزات فجل بـ200 ليرة، وأن «يُكوِّس» لأن كيلو الكوسا بـ350، وبعد ذلك بإمكانه أن يترحَّم على الكورونا وذكراه، بعدما اكتشف أن التعامل معه أرحم بألف مرة من التعاطي مع تجار هذه الأيام.

بديع صنيج